الأخبار

وجهة نظرالديمقراطية في التجربة الليبرالية

لا تعود أزمة الديمقراطية في الوطن العربي فقط إلى العوائق الذاتية والمتمثلة في مقاومة البنيات التقليدية للمسار الديمقراطي باعتباره جزءا من الحداثة السياسية، بل تعود تلك الأزمة أيضا إلى تداعيات مفهوم الديمقراطية والليبرالية الذي سيطر لفترة من الزمن ولا يزال على الثقافة السياسية العربية، لدرجة أنه كادت المطابقة بينهما تصبح نهجا راسخا وأمرا مقبولا لدى النخب السياسية، في حين أن البون بينهما شاسع لأن الديمقراطية تحيل على آلية سياسية تتغيأ المشاركة المجتمعية والتعددية السياسية وإشاعة قيم الإنصات للآخر والتناوب والإدماج، بينما نجد أن الليبرالية هي “إيديولوجيا” تحيل على إضفاء الشرعية على نظام اقتصاد السوق وعلى الرأسمالية بمعاييرها الغربية، ويؤدي بنا هذا الإشكال المفهومي إلى طرح سؤال أساسي هو: هل ينبغي من أجل دمقرطة المجتمعات العربية وتحديثها فكريا وقيميا أن نقوم بتجريد الديمقراطية من إيديولوجيا الليبرالية كشرط لتعميمها ؟
تقتضي عملية تحرير الديمقراطية من الليبرالية مجهودا فكريا لإعادة بناء فكر فلسفي سياسي عربي يتولى إعادة قراءة فكر الحداثة، ليس بمنظور نقدي وموضوعي يتوفر تفكيك فكر الحداثة لتبيان ما هو إيديولوجي فيه يخص المرحلة التاريخية والخصوصية المميزة لمجتمعات أوربا الغربية، وما هو كوني يمكن تعميمه على باقي الثقافات والخصوصيات.
بالنسبة لموضوع الديمقراطية ينبغي القيام بعملية تشريح للفكر السياسي الغربي المواكب لعصر الحداثة للفصل بين ما هو كوني في الديمقراطية، وبين ما هو إيديولوجي، ونقصد الليبرالية التي أعطت شرعية للرأسمالية وهي نظام لا يمكن استثباته في البلدان التي لم تعرف المسار التاريخي التي عرفته المجتمعات الغربية.
أما بالنسبة لتأثير العولمة اليوم على الديمقراطية، فإننا نجد أن العولمة تحاول تعميم أو فرض نماذج الديمقراطية الشكلية في كل البلدان، ويشكل ذلك تهديدا حقيقيا لانبثاق الديمقراطية الحقيقية من رحم المجتمعات المعنية، كما يشكل تهديدا حتى للديمقراطيات النشيطة نفسها في بعض البلدان المتقدمة بالتدني نحو ديمقراطية شكلية، وذلك تحت الضغوط الأمنية التي تتذرع بمحاربة الإرهاب الدولي أو الهجرة غير الشرعية.
إن العولمة بسعيها هذا تشكل عائقا حقيقيا أمام انبثاق الديمقراطية الحقيقية الناشئة من التربة المحلية لصالح نشر وفرض ديمقراطية شكلية لا تبشر إلا بقيم النموذج الليبرالي القائم على الإيديولوجيا التي تقول بأن هناك تطابقا طبيعيا بين اقتصاد السوق (حرية السوق) وبين حرية الأفراد والجماعات.

خديجة بركات

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى