الأخبار

المسكوت عنه في قمة أوروبا وإفريقيا

البيان الختامي لقمة أوربا وإفريقيا الذي انعقد يومي 29 و30 نونبر 2010 يعطي رؤية مستقبلية للعلاقة بين القارتين ولمستقبل حوالي مليار ونصف من ساكنة العالم مليئة بالأمل والتفاؤل. كما أنه يضع الشراكة الناشئة بين القارة العجوز والقارة السمراء في نسق التطور السريع للعولمة و”الأزمة المالية والاقتصادية” غير المسبوقة منذ عقود. هكذا ستساهم هذه الشراكة، حسب البيان الختامي، في إيجاد حلول لمواجهة تحديات كونية مثل التغير المناخي، والنزاعات، والحكامة الجيدة، والوصول إلى سوق مستديمة للطاقة بما فيها الاستثمار في موارد الطاقات المتجددة، والبنيات التحتية، والأمن الغذائي، وتحقيق أهداف الألفية، ومحاربة السيدا، و”مواجهة تحديات الهجرة وربطها بالتنمية” وأخيرا تحقيق المساواة المبنية على النوع.
في ما يخص التشغيل، والذي كان من ضمن التيمات الأساسية، تم التركيز على دور القطاع الخاص “كمحرك للتنمية الاقتصادية المندمجة والمستديمة” وهذا لا يتأتى إلا بتحسين محيط الأعمال وتطوير الشراكة بين القطاعين العام والخاص، والرفع من الإنتاجية وضمان حقوق العمال والاستثمار في التكوين والتكنولوجيا من أجل ضمان “تطور مجتمعات مبنية على اقتصاد المعرفة”. أما أهداف الألفية فقد تم الإعلان عن استهداف البلدان التي لازالت متأخرة في تحقيقها على المستوى الإفريقي عبر ميكانيزمات تمويل متنوعة واستهداف ” الأشخاص المهمشين والذين هم ضحية عوامل الهشاشة”. كما أعلن البيان عن اهتمامه بقضايا السلم وحل النزاعات في إفريقيا ودور المرأة في ذلك والالتزام بالمساعدة في أجرأة المنظومة الإفريقية للسلم والأمن والعمل على إيجاد حل نهائي للمشكل الصومالي وتطبيق مقتضيات الاتفاقيات الخاصة بالسودان.
وعلى مستوى الحكامة، تمت إدانة الوسائل اللادستورية في الوصول إلى السلطة وكذا الحكامة السيئة والإفلات من العقاب وضرورة احترام حقوق الإنسان وضرورة تقوية الترسانات القانونية الوطنية والدولية ونبذ الإرهاب بكل أنواعه وكل أنواع اللاتسامح والعمل سوية للتعامل مع قضايا القرصنة والتخلص من النفايات السامة والجريمة المنظمة والاتجار غير القانوني بما فيها الاتجار في البشر الخ… كما تم الالتزام من طرف أوربا على الرفع من المساعدة المالية المخصصة للتنمية إلى 0,7 % من الدخل القومي الخاص في أفق 2015 واعتماد 50 مليار أورو لتحقيق الهدف العام المتوخى من الشراكة الأوربية الإفريقية.
بيان يعبر عن طموح وأمل في المستقبل، لكنه يخفي الكثير من عوامل الاختلاف بين إفريقيا وأوربا في النظرة والمقاربة، مما يجعل تطبيق هذه المبادئ النبيلة مستعصيا إن لم نقل مستحيلا. أولا هناك تضارب في المقاربة؛ فبينما ترى أوربا أن الحكامة هي أساس الاستقرار وأنهما معا كفيلين بتحقيق نمو مضطرد يحد من البطالة والهجرة والتهميش والجريمة ويجعل من أوربا سوقا حقيقيا وكذا مصدرا للثروات، فإن الدول الإفريقية ترى أن الاستثمار في البنية التحتية وفي المشاريع الاقتصادية والرفع من المساعدة المالية هي أنجع وسيلة لخلق النمو الكفيل بتحقيق الاستقرار المنشود والحد من المشاكل الاجتماعية المترتبة عن اللااستقرار.
ومقاربة الحكامة بالنسبة لأوربا تعني الديمقراطية وحقوق الإنسان وهي وسيلة كذلك لسحب البساط من تحت التغلغل الصيني الذي يضرب هذه الأمور عرض الحائط ؛ لذا فأوربا تحبذ أن تكون الشراكة متعددة الأطراف وعلى مستوى الاتحاد الأوربي والاتحاد الإفريقي لتخلق ميكانيزمات جهوية لتثبيت المقاربة السياسية والضغط على الحكومات والدول من اجل احترام حقوق الإنسان والدمقرطة. المقاربة السياسية الأوربية تبدو نبيلة ولكنها تخفي وراءها اهتمامات جيواستراتيجية مهمة خصوصا في ظل مضايقة اقتصادية شرسة في إفريقيا من طرف قوى صاعدة مثل الصين والبرازيل والهند.
من جانب آخر، فإن الاهتمام بقضايا البيئة والتغيرات المناخية لا يخلق تجانسا في الرؤى بين الجانبين. فبينما ترى أوربا أن قضايا الاستدامة لها مردودية اقتصادية واجتماعية مهمة ويجب الاستثمار فيها عن طريق التمويل الوطني أو الأوربي أو هما معا، ترى الدول الإفريقية أن التغير المناخي والذي يؤدي إلى استفحال عوامل التصحر والجفاف والفيضانات وما يترتب عنها من اقتلاع الناس من جذورهم الثقافية وهجرتهم أو دخولهم في صراعات ظاهرها عرقي أو جهوي أو ديني ولكن مضمرها ندرة الموارد والتدهور البيئي، ترى الدول الإفريقية أن هذا التغيير له فاتورته التي يجب أخذها بعين الاعتبار خصوصا وأن النشاط الصناعي لأوربا والغرب هو الذي أدى إلى وجود اختلالات في المنظومة المناخية الكونية.
على مستوى التبادل التجاري، فإن الاختلاف الكلاسيكي بين الشمال والجنوب حول قضايا الحماية والولوج إلى الأسواق لازال مطروحا بين أوربا وإفريقيا. استعمال نظام الكوطا والاستمرار في دعم المنتوجات الفلاحية الأوربية لازال يقف عائقا أمام ولوج المنتوجات الإفريقية إلى أوربا؛ هذا في الوقت الذي تطالب فيه أوربا إفريقيا بتطبيق مقتضيات منظمة التجارة الدولية فيما يخص رفع الحماية الجمركية مما يخلق مضايقة شديدة على الصناعات الوطنية الضعيفة التنافسية. في نفس الوقت، فإن المطالبة بتحسن محيط الأعمال مما يقتضيه ذلك من تيسير تسريح العمال عبر قوانين مرنة يتناقض مع التشديد على حماية حقوق العمال في البيان الختامي وهو ما يعني أن هذا المبدأ ولد ميتا على مستوى الشراكة الأوربية للإفريقية.
أما الهجرة فإنها تطرح نقاشا صاخبا على مستوى الشراكة الأوربية الإفريقية. أوربا لا تريد أن تحيد قيد أنملة عن رؤيا “أوربا القلعة” وضرورة تأمين الدول الإفريقية لحدودها للحد من تدفق المهاجرين السريين. بالإضافة إلى أن عملية المراقبة مكلفة جدا فإن أوربا القلعة لا تزيد “الالدورادو” إلا جاذبية خصوصا في ظل التحولات السوسيو اقتصادية التي تعرفها إفريقيا والمتمثلة في تراجع دور العائلة واندثار الاقتصاديات المحلية المكتفية بذاتها وتصاعد عوامل اللااستقرار وتراجع دول المدرسة في التكوين والتأطير إلخ….. الدول الإفريقية تريد اعترافا من أوربا بأن الهجرة ساهمت في بناء صرح الاقتصاديات الأوربية خصوصا بعد الدمار الذي خلفته الحرب العالمية الثانية وتريد مرونة أكثر في التعامل مع تدفق الأشخاص لضمان انتقال أسرع للمعرفة والتكنولوجيا، كما تريد مقاربة مبتكرة وذكية لقضايا هجرة الأدمغة من إفريقيا إلى أوربا. إذا بدا هذا وكأنه حوار للصم ، فإن هناك مع ذلك نظرة مشتركة لقضايا تحويلات المهاجرين واعتمادها كوسيلة لدعم التنمية في إفريقيا. وضع مركز لتدبير قضايا التحويلات المالية للمهاجرين من شأنه أن يرفع من كفايات البنوك والمنظمات الغير الحكومية والجهات الرسمية في تيسير تحويل جزء كبير من التحويلات إلى استثمارات في مشاريع من شأنها الرفع من الأنشطة المدرة للدخل ومحاربة الفقر. لكن ما لا يريد الكثير أن يعترف به وهي أن تحويلات المهاجرين تدخل ضمن اقتصاد الريع من الصعب إقناع الكثير بجعله يخدم قضايا الاستثمار والنمو الاقتصادي.
نعم لقد كانت قمة وأوربا إفريقيا ناجحة، ولكن ثمن نجاحها هو السكوت عن كل القضايا الخلافية العالقة. لهذا فإعلان طرابلس هو إعلان للنوايا ضروري لوضع تصور واحد للشراكة الأوربية الإفريقية، لكن المرور إلى التفعيل سيكون بالصعوبة بمكان خصوصا في ظل طغيان المقاربة الثنائية في العلاقات الأوربية الإفريقية ووجود خلافات كبيرة أيضا بين الدول الإفريقية نفسها في ما يتعلق بكثير من الأمور خصوصا النزاعات الإقليمية.

لحسن حداد (*)

(*) خبير في الدراسات الإستراتيجية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى