الأخبار

“التويتر” ضد “البلطجية”الثورة والثورة المضادة في مصر

التويتر والفايسبوك وغيرها هي الوسائل التي استعملها شباب مصر ومثقفوها للتشبيك والتعبئة والخروج للمطالبة برحيل مبارك. وقد نجحوا في ذلك في الأول إلى درجة أنه في الساعات الأولى، كانت الثورة المصرية ستسمى باستحقاق “ثورة التويتر”. لهذا انتبه النظام إلى هذه الوسائل الخطيرة التي أشعلت لهيب الثورة في تونس فأوقف أنظمة الانترنيت وخدمة الإرساليات القصيرة عبر الهاتف النقال. هذا ما جعل الهيجان يهدأ قبل أن يجند الشباب الثائر بدائل أخرى عبر الأقمار الاصطناعية والخدمات التي وضعها غوغل والعديد من المنظمات والهيئات على المستوى الدولي رهن إشارتهم لتجاوز الحذر الحكومي على خدمات الانترنيت. لهذا تمكن الشباب من تعبئة المسيرة المليونية ليوم الثلاثاء 1 فبراير 2011. من هذا نرى أن جيل الفايسبوك والتويتر في مصر جند مهارات في التشبيك والتعبئة على مستوى العالم الافتراضي للمرور من الدردشة الإلكترونية إلى العمل.الفكرة والمعلومات كانت أساسية ولكنها تبلورت وتطورت فخرجت إلى الواقع عملا هادفا وربما له بعد تاريخي مدوي.
لقد نجح الشباب الثائر والطبقة المثقفة والوسطى المساندة له (رغم إحباطات المواجهات التي وقعت يومي الأربعاء و الخميس 2 و3 فبراير 2011) لسبب بسيط ولكنه ذي عمق سوسيولوجي وتاريخي كبير، وهو أن الهدف واحد ومتفق عليه وهو إزاحة مبارك عن السلطة. لو تعددت الأهداف لانقسم المتظاهرون وخفت زخم الثورة. ولأن الهدف واضح فقد كان مصدرا للتعبئة وكذا المقاومة الشرسة والمستميتة ضد الهجوم المسلح والدامي الذي قاده رجال شرطة في أزياء مدنية وسجناء سابقون وبلطجية تم جلبهم في حافلات وعلى ظهور خيول وجمال.
رفع الحذر عن الانترنيت يوم الخميس 3 فبراير سيعطي لمناهضي مبارك دفعة جديدة خصوصا للتحضير لمسيرة الجمعة بعد صلاة الظهر. إذن، للشباب المناهض للنظام نقط قوى تتمثل في القدرة على التشبيك والتعبئة عبر وسائل التواصل الاجتماعية الجديدة ولهم هدف واحد ومحدد. لذا تمكنوا من تجنيد تحالف عريض وراءهم يتمثل في الإخوان والناصريين والوفديين والليبراليين والشباب والطبقة الوسطى والمجتمع المدني والصحافة المستقلة وغيرها.
على الجانب الآخر نجد نخبة كانت تستفيد من النظام وتتمثل في أعضاء الحزب الديمقراطي الحاكم وكذا مجموعة عريضة من المقاولين ورجال الأعمال ارتبطوا بالنظام ارتباطا زبونيا، وكذا شرائح تدور في فلك أجهزة الأمن والمخابرات وأطر وزارة الداخلية الذين يفوق عددهم المليون في مصر. في الأول اعتمد هؤلاء على حنكة رجال مدنيين مدربين على تكسير المظاهرات وهم الذين قمعوا بشكل فظيع المظاهرات في اليومين الأولين للمظاهرات (25 و26 يناير).
بعد انسحاب قوات الأمن كليا من شوارع القاهرة ومن ساحة التحرير تحول هؤلاء إلى بلطجية واختلطوا بالسجناء الفارين ليقوموا بأعمال التخريب والنهب حتى تستغيث الساكنة بالنظام لحماية الأمن والممتلكات. هذه المرحلة مثلها مثل القمع الذي سبقها جلبت على النظام انتقادات من كل أنحاء العالم. المرحلة الثالثة كانت في التحول إلى مساندين لمبارك خصوصا بعد خطابه يوم الثلاثاء والذي قال فيه أنه لن يتنحى عن السلطة إلا في شتنبر وأنه سيموت في مصر لا خارجها. انتقل هؤلاء بسرعة كبيرة من مساندين للنظام إلى مهاجمين لمعارضي النظام في ميدان التحرير في معركة دامت يومين (ولازالت مستمرة إلى حد كتابة هذه السطور) استعملوا فيها الأسلحة البيضاء وقنابل المولوتوف والغازات المسيلة للدموع والحجارة بينما انتصب قناصون فوق البنايات المجاورة لميدان التحرير و أطلقوا الرصاص على معارضي مبارك ليقتلوا على الأقل خمسة حسب وزارة الصحة و 11 حسب مصادر قناة الحرة (إلى حدود صباح الخميس).
“البلطجية” حسب ديما الخطيب وهي مدونة مشهورة بالتويتر، هو “مصطلح يشير إلى أشخاص مأجورين للقيام بأعمال معينة بهدف فرض الرأي بالقوة والسيطرة على الآخرين وإرهابهم والتنكيل بهم”، وهي حسبها كلمة من أصل تركي، مركبة من “بلطة” و “جي” أي حامل البلطة و “البلطة كما هو معروف هي أداة للقطع والذبح” (دينا الخطيب، 3 فبراير على التويتر). إذا بدت أدوات البلطجية وكأنها “بدائية” بالمقارنة مع “تويتات” ودردشات الشباب الإلكترونية، فإنها ليست أقل “نجاعة” في الوصول إلى أهدافها. هدف البلطجية هو تشتيت المظاهرات ومساندة مبارك والحفاظ على أمن الدولة. تعدد الأهداف و تصويرهم كقوى رجعية وشبه فاشية من طرف الإعلام المستقل والإعلام البديل ووسائل الإعلام الدولية هي نقط ضعف البلطجية. ولكن قدرتهم على تغيير وسائلهم بسرعة فائقة وتوفرهم على وسائل كبيرة وتنسيقهم المفترض مع النظام يجعل منهم رواد ثورة مضادة حقيقية.
الحائر في كل هذا الصراع الدموي حول السلطة هو الجيش. بينما بدا الجيش بصورة مشرفة في الأول، فإن “تفرجه” على الهجوم العنيف الذي قاده البلطجيون ضد شباب التوتير في ميدان التحرير أظهره في وضع قريب من التحيز للنظام. الإعلام الرسمي بدا كذلك عاجزا عن بلورة موقف لا يظهره وكأنه ضد الثورة. لهذا وجد المعارضون للنظام وكأنهم في معركة لوحدهم ضد بلطجية يجيدون فن البطش والعنف دون أن يكون للمعارضين من سند إلا أنفسهم ومن قناة الجزيرة ومن تويتات المتضامنين معهم على المستوى الدولي.

الدكتور لحسن حداد (*)

(*) خبير في الدراسات الإستراتيجية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى