الأخبار

مشروع الدستور الجديد..

يعتبر مشروع الدستور الجديد حدثا تاريخيا مهما، أولا لأن المغاربة سيصنعون اللحظة بأيديهم، كما فعلوا إبان الاستقلال والمسيرة الخضراء، ثانيا، لأننا نتعامل بإيجابية متقدمة إلى حد ما مع التطورات التي حصلت في بلدان الشرق العربي وشمال إفريقيا ومع الحراك السياسي الذي يشهده الشارع المغربي، ثالثا، لأننا وضعنا دستورا بصفة نسبيا تشاركية، ولكل الحق الآن في، إما أن يقبله أو يرفضه بكل حرية ومسؤولية.
ماذا يحمله مشروع الدستور الجديد ولماذا يعد وثيقة تاريخية بكل ما للكلمة من معنى؟ لماذا هذا الاهتمام المتزايد به على المستوى الوطني والدولي؟ السبب الأول يكمن في أنه يضع اللبنات الأولى لحكامة سياسية جديدة، حيث يوضح أدوار جميع الفاعلين من ملك وحكومة وبرلمان وجهاز فضائي وهيئات المراقبة وحيث يتم فصل واضح بين السلطات، فالشعب ينتخب البرلمان ومن البرلمان تنبثق الحكومة ومسؤولة أمامه، وللمجلس الأعلى للقضاء استقلالية المالية والتنظيمية والمعنوية.
الحكامة السياسية الجديدة مبنية على ثقافة المحاسبة حيث أن البرلمان يحاسب الحكومة، فرئيس الحكومة سيمثل بمقتضى الدستور الجديد، أمام البرلمان مرة كل شهر لإخبار نواب الأمة حول تقدم تنفيذه للبرنامج الحكومي وللإجابة عن أسئلة البرلمان.
أما هيئات مراقبة المال العام والتنافسية والشفافية ومحاربة الرشوة، فقد أصبحت دستورية وأصبح لها دور قوي. وبما أن للحكومة جميع الصلاحيات فللمواطن الحق في محاسبتها كذلك عبر صناديق الاقتراع.
والحكامة الجديدة تتخذ من دولة الحق والقانون مرتكزا لها، لهذا رسخ مشروع الدستور الجديد حقوق الإنسان كما هي متعارف عليها دوليا، ونص على نبذ التعذيب والافلات من العقاب واستعمال الشطط في السلطة والإرهاب والإبادة وغيرها. إذن، هناك دسترة واضحة لتوصيات هيئة الإنصاف والمصالحة.
كما أن الحكامة السياسية الجيدة التي ما فتئت الأحزاب تنادي بها تعني المرور إلى دولة المؤسسات الحقيقية، حيث للبرلمان سلطات تشريعية واسعة، ولكن المحكمة الدستورية هي من له الحق في القول بدستورية أو عدم دستورية القوانين، أما هيئات المراقبة والفحص وحقوق الإنسان فلها استقلاليتها عن الجهاز التنفيذي إلى غير ذلك.
أما القضاء والذي كانت استقلاليته إحدى مطالب المغاربة منذ سنوات، فإن دولة الحق والقانون والحكامة، لا تكتمل بدون وجود جسم قضائي يتمتع باستقلالية مالية ومعنوية ويدبر أموره مجلس أعلى للقضاء ولا يخضع لتدخل الحكومة أو البرلمان.
أخيرا، فإن القضايا الأمنية الحساسة والإستراتيجية سيتم التداول في شأنها في إطار مجلس أعلى للأمن مكون من جميع ضباط القيادة العليا ورؤساء المصالح الأمنية ورئيس الحكومة ورئيسي غرفتي البرلمان ووزراء الداخلية والخارجية.
وهذا يعني أن أمن البلاد سيكون محط نقاش وتداول وستتخذ بشأنه قرارات متفق عليها بما يضمن سداد الرؤية وإجماع كل من يهمه الأمر حول مصالح البلاد العليا وكيفية الدفاع عنها بطريقة ذكية وإستراتيجية.
هذا على مستوى الحكامة، أما الجديد الثاني فهو المرور إلى مرحلة جديدة من البناء الديمقراطي، فالساحة السياسية ستتطور إيجابيا خصوصا من خلال التنصيص بصراحة على محاربة مظاهر الانحطاط السياسي كالترحال والاستعمال السلبي للحصانة البرلمانية وتغيب البرلمانيين. دور الأحزاب سيتقوى كذلك، لأنه سيتم التنصيص على دورها التأطيري وعلى واجب المكوث في نفس الحزب أو الفريق طيلة مدة النيابة وعلى استقرار الفرق البرلمانية لمدة 3 سنوات.
كما أن الدستور الجيد، سيعمق حرية التعبير السياسي والفكري والتي لا يمكن تقييدها إلا في إطار القانون. هذا يعني أن سيادة القانون لا رجع فيها والكل متساو أمام القانون، فالوزراء مثلا يحاكمون أمام محكمة عادية وليس أمام محكمة عليا خاصة كما هو منصوص عليه في الدستور الحالي.
هكذا فإن الجديد الذي أتى به الدستور في ميدان الديمقراطية هو أننا سننتقل من مرحلة الانتقال الديمقراطي إلى مرحلة الديمقراطية الفعلية.
أما على مستوى مصدر السلطات، فان الشعب هو مصدر السلطات، حيث أن الشعب ينتخب البرلمان ومنه تنبثق الحكومة وهي مسؤولة أمامه وممثلو الشعب هم الذين يسنون القوانين والتشريعات والسياسات بينما تكمن مهمة الحكومة في التنفيذ.
لهذا ، فإن حزب الحركة الشعبية، يرى في الوثيقة الدستورية المقدمة للشعب المغربي تطورا إيجابيا، لأنها تؤكد الهوية المتعددة بكل روافدها الأمازيغية والعربية والإفريقية والحسانية والعبرية والأوروبية ، ولأنها تعزز ثوابت الأمة بثابت جديد ومهم وهو الديمقراطي، ولأنه يتماشى من نظرتنا حول ضرورة وجود مؤسسات قوية ومسؤولة، ولأنها ستجعلنا في قلب الحداثة والعصرنة والانخراط في اهتمامات المجموعة الدولية مع تمسكنا بتراثنا اللغوي والثقافي والديني المتعدد والمتنوع، ولأنها تؤسس لاقتسام السلطة وتشاركية في التدبير والتسيير بين الفرقاء، ولأنها تؤسس لميثاق جديد بين العرش والشعب مبني على قيم المواطنة والحرية والكرامة.

لحسن حداد*

* عضو المكتب السياسي للحركة الشعبية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى