الأخبار

“تنمية المجال القروي” من منظور امرأة قروية

قفز العالم القروي إلى دائرة الاهتمام خلال السنوات الأخيرة، وأصبحت التنمية القروية حاضرة بقوة في برامج الأحزاب السياسية، سيما بعد التحولات الاجتماعية التي عرفتها التركيبة العمرانية للمدن المغربية أضحت محاصرة بهوامش البؤس والهشاشة، وما ترتب عن ذلك من تفريخ لدور الصفيح وانتشار المخدرات وتفشي الجريمة كنتيجة لتصاعد وتيرة الهجرة القروية.
وإذا كانت جل الأحزاب السياسية قد غيبت العالم القروي عن دائرة أولوياتها واهتماماتها، فإن الحركة الشعبية جعلت من تنمية المجال القروي أحد أبرز مرتكزاتها ومحورا أساسيا من محاور برامجها الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، بل أكثر من ذلك فقد اعتبرتها إلى جانب الدفاع عن التعددية السياسية واللغوية والثقافية المصوغ الأساس من مصوغات ودواعي تأسيسها مباشرة بعد استقلال المغرب.
إن تناول الحركة الشعبية لمسألة تنمية المجال القروي لم يكن تنازلا سطحيا يحصر هذه التنمية في شق الطرق والمسالك وبناء الحجرات المدرسية والمستوصفات ومد قنوات الماء الصالح للشرب وربط البادية بشبكة الكهرباء والمواصلات السلكية واللاسلكية، لأن هذه البرامج والمشاريع تدخل ضمن واجبات الدولة تجاه جزء هام من ترابها الوطني والتزام من التزاماتها تجاه جزء هام كذلك من ساكنته، بل أبعد من ذلك يشكل منظور الحركة الشعبية للتنمية القروية رؤية شمولية وعميقة تدمج الإنسان في صلب التنمية المستدامة المنشودة، وتتوخى أولا الحفاظ على الطابع القروي (la ruralité) للمجال الترابي للبادية بتنوع تضاريس وتشكيلاته البشرية، وهذا ما يفسر تمسك الفكر والتوجه السياسي الحركي بالدفاع عن الهوية المغربية في مواجهة المذاهب الاديولوجية والتوجهات السياسية التي حاولت مسخ هذه الهوية وسلخ الخصوصيات المغربية عبر فرض أجندة خارجية تجعل من المغرب تارة ملحقة للمشرق العربي وتارة أخرى ملحقة للمنظومتين الاشتراكية أو الرأسمالية في عز الحرب الباردة.
إن الترابط الجدلي بين تنمية المجال القروي والحفاظ على التوازنات الايكولوجية والمحافظة على الإرث الثقافي واللغوي، هو ما دفع الحركة الشعبية منذ أواخر الخمسينيات وبداية الستينات من القرن الماضي، وعكس دعاة المركزية والتمركز تحت ذريعة الوحدة الوطنية، إلى المطالبة باعتماد الجهوية لوعيها المبكر بأنه لا سبيل للنهوض بكل المناطق المغربية إلا من خلال اللامركزية واللاتمركز.
واليوم، وبعد دسترة الجهوية الموسعة في الدستور الجديد، والتنصيص على البعد التعددي للهوية المغربية، فإن الأحزاب السياسية الأخرى مدعوة إلى تجاوز منظورها السطحي للمجال القروي، ومدعوة إلى انجاز برامجها على أساس دراسات سوسيولوجية وانتربولوجية الكفيلة وحدها بتقريب الفاعل السياسي من خصوصية ذلك المجال وجعله ملما بحاجيات ساكنة وارتباطها مع عناصر الطبيعة والثقافة واللغة، مدركا لضرورة إشراك الإنسان القروي في وضع وانجاز البرامج والمشاريع.

فاطمة اسكور لمحرزي الإدريسي

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى