الأخبار

“اللسان فيه عظم”!

محمد مشهوري

في موروثنا الثقافي ما يكفي لكي يستقي المرء العبر الحكيمة التي تعينه في تعامله مع ذاته ومع محيطه، كما فيه ما يدعو إلى إيجاد الأعذار لمن فلت لسانه من قبيل المثل الشعبي الشائع “اللسان ما فيه عظم”. هذا يستقيم مع إنسان عادي حصل له ذلك في جلسة مع الخلان، لكنه لا يستقيم مع من يفترض فيهم أنهم رجالات الدولة وأعلام السياسة، هذه الأخيرة التي حين أسس لها الإغريق القدامى جعلوها حكرا على الفلاسفة والحكماء.
حين يركب السياسي رأسه ويطلق الكلام على عواهنه “ما كاين غير جمع يا فم واطلق”، يصبح “اللسان فيه عظم” قد يؤدى إلى اختناق لا تنفع معه شربة ماء.

السياسي الحقيقي هو الذي يفكر بعقل المتلقي لا بما يمليه عليه مزاج قد يكون عكرا، ويختار كلماته بدقة مستحضرا كل احتمالات التأويل، لذلك يحرص الساسة في الديمقراطيات المتقدمة على اللجوء إلى استشارات مختصين في التواصل وفي اللغة والسيميولوجيا وحتى علم النفس، حتى تكون تصريحاتهم وخطاباتهم واضحة لا لبس ولا ضبابية فيها.
إن السياسة في مفهومها النبيل مرادفة للتضحية وخدمة الأوطان، ولايجب أن تكون، بأي حال من الأحوال، وسيلة لتفريغ الأنا و”الشعور بالعظمة” والتهديد، واضحا كان أم مبطنا، بزعزعة الأوطان.
صدق من قال: لسان الفتى عن عقله ترجمانه… متى زل عقل المرء زل لسانه.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى