“الفيشتة سالات” !
محمد مشهوري
"طارت السكرة وحضرت الفكرة" مقولة شائعة عند أشقائنا الجزائريين، ومعناها أن حالة الانتشاء، مهما طالت فإنها لا تدوم، إذ سرعان ما يصحو صاحبها على وقع الحقيقة، وما تستلزمه هذه الأخيرة من إعمال العقل وترك العواطف والنزوات جانبا.
الشعوب العربية عاشت هذه الحالة على امتداد يقارب عامين، تاركة الكثير من الأهواء المغلفة بقليل من المطالب المشروعة تمخر بها عبابا مؤد إلى المجهول، فلا الإرادة الشعبية تحققت، ولا الحرية ترسخت، بل تم السطو على حراك الشباب، بعد أن انطلت حيل الشيوخ وأصحاب العمائم على "مشاريع ثورات الفايسبوك".
هل تحققت مطالب الشباب في مصر وتونس واليمن وليبيا؟ قطعا لا، بل كل ما حدث هو اقتلاع أنظمة مستبدة وتعويضها بأنظمة تائهة بين دهاليز السلطة تحارب "الفلول"، عاجزة على أن تضمن لشعوبها الحد الأدنى من الشعير والفول.
أشهر من الزمن الضائع، صدق فيها الشباب البريء كذبة كبرى إسمها "الربيع العربي". توالت الفصول تلو الفصول، ليتم اكتشاف مسرحية رديئة حبك سيناريوها في غرفة الأخبار المعلومة وبتمويل من منظمات غير حكومية "تبيع القرد وتضحك على من شراه".
أشهر من الزمن الضائع، توقفت خلالها عجلة الاقتصاد وتراجع الاستثمار المحلي والخارجي وتزايدت أعداد اللاجئين الباحثين عن رغيف خبز حاف عند الممرات الحدودية..ألم يكف العرب مأساة اللاجئين الفلسطينيين؟؟
في خضم هذا الوهم الكبير، وحدها الشعوب الواعية والمدركة لنعمة الاستقرار ولقيمة الأوطان، لم تنجرف وراء كذبة "الربيع العربي"، بل وضعت أيديها في أيدي صناع الإصلاح الحقيقي سنوات قبل موضة الحراك التي أصبحت تقليعة قديمة.
"سالات الفيشتة" وحان وقت الجد والعمل من أجل بناء الاقتصاد وتطوير التعليم وتحسين الخدمات الصحية لفائدة كل المواطنين.
انتهى عهد المزايدات السياسية ولعب ورقة تهييج الشارع، فقد أبانت الأيام أن تلك الورقة هي التي أفرغت شوارع مدن عربية من المارة، خوفا من انفجار عبوة أو سيارة مفخخة، وحولت مواطنين شرفاء إلى متسولين في المعابر.
