الأخبار

وجهة نظر (قبيل المؤتمر)


يمثل تخليق الحياة العامة أكبر التحديات التي نواجهها في مسعى أمتنا للانعتاق من قيود التخلف، في جهودها الحثيثة لاستئصال مظاهر الخلل في تدبير الشأن العام. فنحن عندما نتحدث عن التخليق إنما نعني ونقصد أن أركان الفكر الأخلاقي يجب أن تسود أو على الأقل يجب أن تستحضر وتستلهم توجيه ضمائرنا نحو السلوك الأقوم ونحو الصالح العام.
وهنالك بالبداهة أكثر من زاوية للنظر للمسألة،بيد أن الزاوية التي نتوخى أن تستأثر بالاهتمام هي شيوع الوهم بأن تخليق الحياة العامة لا يمكن أن يتحقق بدون أو بمعزل عن مشاركة المرأة أو بتقليص دورها أو اعتباره إضافة تكريمية تندرج في باب اللياقة أو خانة المجاملة الودية.
وإسهاما منا في تبديد هذا الوهم وتسليط بعض الأضواء الكاشفة لمكامنه، نؤكد بلا مواربة أن المشاركة الواعية والفعالة والمثابرة للمرأة في الهيئات السياسية وفي كافة الأنشطة وفعاليات المجتمع المدني والتربوي، من شأنها أن تكفل لها التمثيلية التي يؤهلها لها عملها وكفاءتها في خدمة الصالح العام.
وإن ما يعوق هذه المشاركة بالضبط هو تدبدب الخلقية، إذ كلما أنجزت أمتنا تقدما في شتى مناحي الحياة، يرفع عن كاهلها نير ماض مثقل بتراكمات تاريخية تعددت أسبابها وتنوعت عواملها، أو خطت بلادنا أشواطا وحققت مكتسبات في معترك الإصلاح بترسيخ دعائم الديمقراطية السياسية منها والاجتماعية، وإقامة صرح متين لدولة الحق والقانون، إلا وواكب كل ذلك حضور أكثر إيجابية للمرأة واستثمار أعظم لإمكانياتها الذهنية والتربوية والتوجيهية في القرار والتنفيذ والمتابعة.
إن ما تقدم يدعونا إلى التأكيد مجددا على أن المعركة الحقيقية التي يتعين علينا أن ننخرط فيها جميعا، كل بحسب إمكانياته وموقعه، هي النضال من أجل القيم الأخلاقية السامية، قيم العدل والنزاهة والاستقامة، آخذين بعين الاعتبار وكامل المسؤولية أن الانتصار لهذه القيم في سلوكنا اليومي ليس مواجهة عشية وضحاها، كما أنه ليس سجالا موسميا ينتظر 8 مارس مرة فريدة كل سنة لترتفع الأصوات من هنا وهناك بإنصاف المرأة وإعادة النظر في تمثيلية مهداة أو مجزأة في طبق من فضة بغير كد وعناء ودون وعي ثابت ومكين.
وبعبارة أخرى، فإن الانتصار لهذه القيم هو انتماء للوضوح وولاء للشفافية وتبن للخير، في مسار لا يرتدي لكل ظرف لبوسه أو يستعير مفرداته اللغوية وألفاظه الرنانة التي يرجى منها التطمين والانتظار إلى غد بعيد.
إن الوضوح الفكري يقتضي منا أن نقول بكل صراحة أن التمثيلية الحق للمرأة وتخليق الحياة العامة وجهان لعملة واحدة لا انفصام بينهما وكل منها رهين بالآخر، في ترابط وتكامل.
وفي الأخير إن تقليصا عمديا ومسبقا لدور المرأة وتمثيليتها السياسية أو ربط ذلك الدور بعجلة الظرفية والمواسم الاحتفالية، إنما يعني في المحصلة الأخيرة أن المسافة بيننا وبين تخليق الحياة العامة لا زالت بعيدة وأنها ما فتئت مستقرة في أفق غير منظور.
وكما أن دعم الفضيلة سيكون كلاما أجوفا إذا لم نعبئ كل طاقاتنا ونجند كل إمكانياتنا وثرواتنا المادية والبشرية في نشر التعليم ومحاربة متاهات الضلال التمييزية والتحقيرية، فكذلك سيكون الشأن مع تمثيلية المرأة في الهيئات والمنابر السياسية. فهذه التمثيلية في اعتقادنا إنما هي سراب إذا لم نتشبث بأركان دولة الحق والقانون وما يستدعيه ذلك من مقاومة دؤوبة لألوان الحيف وبؤر الانحراف الكامنة في فتور الإدارة أو تراخي الوعي بالأهمية الإستراتيجية لمفهوم المصلحة العامة.

خديجة بركات(*)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى