الأخبار

المغاربة يترقبون خطابا ملكيا تاريخيا في افتتاح دورة البرلمانخطاب 9 مارس مرجعية حقيقية لمغرب ما بعد التعاقد الدستوري الجديد و”المخطط التشريعي” ليس مجرد تمرين نظري

يفتتح جلالة الملك محمد السادس، اليوم الجمعة الثانية من شهر أكتوبر، الدورة التشريعية برسم 2012-2013، في ظل ترقب كبير من طرف الأوساط السياسية والشعبية المغربية لما سيتضمنه الخطاب الملكي الافتتاحي من توجيهات وإشارات كفيلة بتنوير الطريق أمام المؤسسة التشريعية، المطالبة بالارتقاء بمستوى الخطاب والممارسة إلى مستوى يليق بالمرحلة المهمة التي أسس لها دستور فاتح يوليوز 2011، وكذا التفاعل مع جوهر خطاب 9 مارس من السنة نفسها.
وإذا كان من الصعب اختزال التقييم والحكم الموضوعي على الأداء البرلماني خلال مدة لم تتجاوز السنة، في ظل إكراهات الأزمة المالية العالمية والإحساس ب"الدهشة" أمام واقع دستوري جديد، فإن السنة التشريعية الجديدة يجب أن تدشن لانطلاقة التطبيع مع مستلزمات التعاقد الدستوري الجديد، والانكباب على تحقيق منجزات تشريعية تحقق أهداف وغايات هذا التعاقد.
إن تحقيق النقلة النوعية في سيرورة العمل البرلماني المغربي يتطلب، أولا وقبل كل شيء، اعتماد منطق الفعل عوض الكلام، واستلهام النموذج والقدوة من الممارسة اليومية لجلالة الملك محمد السادس، الذي أعطى لمفهوم التواصل بعدا غير مسبوق جوهره الفعل الملموس القريب من المواطنين. فوتيرة اشتغاله أبلغ وأجدى نفعا من مئات الكلمات المدبجة، والشعب مل الكلام ويلمس الفعل وحده، والفعل الملكي حاضر في كل ربع وقرية ومدشر، في حين تطير تصريحات جزء من النخبة الهاوية للتخريجات الإعلامية في مهب الرياح كريشة طائشة.
هذا الشعب بلغ من درجات الوعي أرقاها وكسر الطابوهات وأحدث قطيعة نهائية مع ثقافة المداهنة والتزلف، ويتمنى من البرلمان ،كواجهة ممثلة له، أن تعتمد خطاب 9 مارس خارطة طريق ومرجعية ولاشيء غير. فلتطبقها وسنرى مغربا جديدا متجددا يتشكل.
ولأن جلالة الملك هو المعبر الحقيقي عن تطلعات الأمة المغربية والمتفهم لحاجياتها وانشغالاتها، ينتظر المغاربة من نواب الأمة استحضار أن مهمتهم ليست امتيازا أو حصانة شخصية، بل هي أمانة في أعناقهم يليها الحساب وإعمال القانون، وبأن حساب صناديق الاقتراع هو حساب يخضع للمتغيرات ولا يعلو فوق الثوابت التي اعتنقها المغاربة، أبا عن جد، كخيارات سرمدية إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، وأن الملكية هي مؤسسة الجميع، أغلبية ومعارضة.
ينتظر المغاربة من ملكهم، أيضا، أن يجدد في نفوسهم الأمل والثقة اللذين ظل منبعهما، على مر السنين، المؤسسة الملكية التي ما أخلفت وعدا أو أخفت حاجة وطنية إلى التضامن والصبر يستجيب لها الشعب بسرعة ودون أدنى تردد.
المغاربة يتمنون أن يكون النقاش البرلماني الذي سيلي الافتتاح متماشيا مع ثابت خالد مفاده أن المؤسسة الملكية وإمارة المؤمنين، وهي مؤسسة واحدة، هي الضامنة الحقيقية لأمن واستقرار البلاد المتعالية فوق كل الحسابات الحزبية والسياسية، اللهم حساب الوطن، ويرفض المغاربة كافة أن يتحول هذا الثابت وغيره من الثوابت الروحية إلى موضوع مزايدة أو رقم يستعمل في المزاد السياسي، تحت أي غطاء كان ولو من باب تسول التعاطف الشعبي.
إن معضلة المغرب الحقيقية مرتبطة بعقم في إنتاج الأفكار وفي ابتكار الإجراءات والتدابير غير مكلفة ماليا، وفي غياب مقاربة أفقية للسياسات العمومية تجعل كل قطاع يشتغل خارج السرب، مما يؤدي إلى فشل كل السياسات القطاعية.
لذلك، ينتظر المغاربة من برلمان ما بعد 12 أكتوبر 2012 أن يوصل الحلقة بخطاب 9 مارس التاريخي، واعتبار أن مصلحة البلاد ليست مجرد وضع اعتباري لتكديس الامتيازات، وبأن مهمة النخب تكمن أساسا في التفعيل الحقيقي لمقتضيات الدستور، الذي لا يجب أن يبقى منحصرا في خانة مرجعية نقاشات لا تراوح نقاشات الصالونات المخملية.
لقد أعطى ملك البلاد أكثر من إشارة: أمضى الليل تحت رحمة برد أنفكو، غاص بحذائه في وحل الأمطار، ابتلت ثيابه بالغيث ورفض مظلة حرسه الشخصي، وتواصل مع سكان جهات قصية وبعيدة في المغرب العميق.
هذا هو الرهان الحقيقي المطلوب من البرلمان ربحه، غير ذلك، ستبقى الرحى تدور في مدار الماضي، في لحظة أصبح فيها المستقبل القريب هو المحدد الرئيسي لمصير وطن، لأن المضارع لا يبعث على الطمأنينة.
لماذا لا يبعث هذا المضارع على الطمأنينة؟ لأسباب عدة، يتصدرها ازدواجية الخطاب وشعبويته، والاستهتار بالقانون وبهيبة الدولة وبدور الأمن كمقومات بدونها لا تستقيم الديمقراطية، إذ لا يعقل أن يتم التعاطف مع من يحقر أحكام القضاء والتضامن مع ممارسي "البلطجة" ومخربي الممتلكات العامة والخاصة، لذا يجب على النقاش داخل البرلمان الارتقاء إلى مستوى يصون قوة الدولة ومؤسساتها ويدافع عن القانون وعن الاستقرار، في إطار الروح الحقيقية للدستور.

محمد مشهوري

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى