الأخبار

أي إصلاح دستوري للمغرب الديمقراطي الحداثي ؟

حسب النقاش الذي عم المغرب قبل 20 فبراير فإن أهداف الإصلاح الدستوري هي على الأقل سبعة. أولا، التأسيس لديمقراطية حقيقية يكون بمقتضاها الشعب هو مصدر السلطات وتنبثق فيها الحكومة من البرلمان، وأساسها المسؤولية والمحاسبة عبر ممثلي الشعب وعبر صناديق الاقتراع. ثانيا، توضيح أدوار المؤسسات حيث يتم تجاوز الغموض والتداخل وعدم وضوح حجم المسؤولية لدى الفاعلين والفرقاء. ثالثا، تقوية دور الأحزاب السياسية كمصدر للنخب السياسية وكتنظيمات تتولى دور التأطير والتعبئة والنقاش والتدبير والمحاسبة وإنتاج التشريعات داخل البرلمان. رابعا، الاعتراف بالتعددية الثقافية واللسنية وضمان المحافظة على المخزون الثقافي كأساس للهوية الوطنية المتعددة المشارب. خامسا، تقوية ميكانيزمات الرقابة والفحص والمحاسبة عبر التأسيس لثقافة المساءلة والتدبير بالنتائج. سادسا، التأسيس لدولة الحق والقانون كما هو متعارف عليها دوليا. سابعا، تقوية مقومات الدولة العصرية والحديثة.
من جهة أخرى وكما نص على ذلك الخطاب الملكي لا يمكن الإصلاح إلا في إطار مقومات الدولة المغربية التي بنيت على مر القرون. وهذه الثوابت هي الإسلام كدين دولة، والوحدة المذهبية المتمثلة في المذهب السني المالكي في شقه الأشعري مع ضمان الحرية في ممارسة الطقوس والشعائر وكذا حرية الاعتقاد. والملكية كنظام للحكم يكون بمقتضاها الملك هو رئيس البلاد ورمز وحدتها واستمراريتها، بينما يكون الشعب هو مصدر السلطة وتنبثق بمقتضاها الحكومة من البرلمان وتكون للوزير الأول والحكومة سلطات واسعة تخول لهما التدبير الكلي لشؤون البلاد تحت مراقبة فعلية وكلية لممثلي الأمة. وإمارة المؤمنين كضمان لتوحد ماهو ديني وماهو دنيوي (المفترض التفريق بينهما على مستوى الحياة السياسية العامة) في شخص الملك. الوحدة الترابية للوطن من طنجة إلى لكويرة مع إعطاء الحق للجهات في تدبير شؤونها في إطار جهوية موسعة وإعطاء الحق لجهات الصحراء في التمتع بحكم ذاتي تحت السيادة المغربية وذلك في إطار حل سلمي للنزاع في الصحراء متوافق عليه من طرف الفرقاء. والتوجه الديمقراطي كضامن لاستقرار البلاد وانخراطها في مسلسل التحديث والعصرنة في إطار الخصوصية الثقافية والتاريخية للمغرب.
أما المبادئ الأساسية للإصلاح الدستوري المنشود فهي كالتالي: الشعب هو مصدر السلطات وهذا يعني أن الشعب يحكم نفسه بنفسه عبر ممثليه في البرلمان وفي المجالس الجهوية والجماعات وغيرها من المؤسسات المنتخبة. تنبثق الحكومة من البرلمان وهذا يعني أن الحكومة هي حكومة سياسية ومسؤولة مسؤولية كاملة أمام ممثلي الشعب. لا سلطة بدون محاسبة وهذا يعني أن كل من تخول له سلطة معينة تجب محاسبته من طرف ممثلي الشعب ومراقبة طريقة تدبيره عبر آليات الفحص والمراقبة. وبما أن شخص الملك لا ينتقد فإن قراراته يتم التوقيع عليها كذلك من طرف الوزير الأول أو أعضاء الحكومة قبل أن تصبح سارية المفعول، وتقع المسؤولية والمحاسبة على هؤلاء لا على شخص الملك. ولا تستثنى من المحاسبة والمسؤولية الأجهزة الأمنية وغيرها مع مراعاة حساسية وسرية عملها. فصل السلط حيث يتم تبني مبدأ مراقبة السلط لبعضها البعض وخلق التوازن فيما بينها. وسيادة القانون على كل الاعتبارات وهذا يقتضي لا فقط الاحتكام إلى القانون كآلية للفصل والفض ولكن عدم وجود أي سلطة تعلو على سلطة القانون وإيجاد الآليات لإنصاف المتقاضين وضمان عدم الإفلات من العقاب. وعالمية حقوق الإنسان والحريات وغير قابليتها للاستصدار وهذا يعني الالتزام بالمواثيق الدولية فيما يخص حقوق الإنسان وحقوق الطفل وحقوق المرأة وحقوق المهاجرين والأقليات والحقوق الثقافية والبيئية والالتزام الفعلي بحرية التعبير والرأي والتجمع والصحافة والتدين والفكر وغيرها. وأخيرا توخي تعددية الآراء فيما يخص القضايا التي تمس أو تهدد أو تخص الأمن الوطني بما فيها إعلان الحرب واتخاذ قرارات ذات حساسية أمنية مهمة للوطن.
أظن أن 20 فبراير والخطاب الملكي ل 09 مارس أسسا وبشكل لا يقبل التراجع لرؤيا المغرب المنشود في المستقبل، مغرب العدالة والإنصاف والحرية والمسؤولية. ولكن هذا المغرب سوف لن يكون ممكنا إن لم تكن أهدافنا واضحة والمبادئ التي نتبناها متفق عليها وما نعنيه بالثوابت محسوم في أمره. الإصلاح الدستوري يقتضي نقاشا واسعا ومحاولة الكل السعي إلى الوصول نوع من التفاهم المجتمعي حول كيفية الوصول إلى المبتغى. ما يجب ألا ننساه هو أن المبتغى على الأقل والأهداف لا يجادل بشأنها أحد. االطريقة هي محل أخذ ورد وعلى الجميع أن يتحلى بالإبداع وبعد النظر والتجرد لصياغة أنجع وسيلة لبلوغ المبتغى المنشود.

لحسن حداد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى