سعيد مشكيرات
في زمن تتسارع فيه التحولات الاجتماعية والسياسية، ويزداد فيه وعي الشباب المغربي بدوره التاريخي، برزت مبادرة “جا الوقت” كصيحة أمل أطلقها شباب من مختلف ربوع المملكة، حاملين معهم قناعة راسخة مفادها أن زمن الانتظار قد انتهى، وأن وقت الفعل والمشاركة قد حان.
“جا الوقت” ليست مجرد مبادرة عابرة أو شعار ظرفي، بل هي مشروع شبابي طموح يراهن على إعادة الاعتبار لدور الشباب في صناعة القرار المحلي والوطني. شباب المبادرة، القادمون من مدن وقرى وأقاليم متعددة، يجمعهم هاجس مشترك: كيف يمكن تحويل أفكار الشباب ومقترحاتهم من مجرد نقاشات هامشية إلى قوة اقتراحية حقيقية تُسهم في بناء مغرب المستقبل.
تنطلق المبادرة من قناعة أساسية مفادها أن الشباب ليسوا فقط موضوعًا للسياسات العمومية، بل فاعلون أساسيون في صياغتها. ومن هذا المنطلق، اختارت “جا الوقت” النزول إلى الميدان، عبر تنظيم زيارات ميدانية لعدد من مدن وأقاليم المملكة، وفتح قنوات تواصل مباشرة مع المنتخبين المحليين، ورؤساء الجماعات، والفاعلين الترابيين، في محاولة جادة لردم الهوة القائمة بين الشباب والمؤسسات المنتخبة.
ما يميز هذه المبادرة هو اعتمادها على مقاربة تشاركية تقوم على الاستماع أولًا. فخلال لقاءاتها الميدانية، تحرص فرق “جا الوقت” على الإنصات لانشغالات الشباب المحليين، ورصد انتظاراتهم من السياسات العمومية، سواء تعلق الأمر بالتشغيل، أو التعليم، أو الثقافة، أو المشاركة السياسية، أو التنمية المجالية. ويتم لاحقًا بلورة هذه الانشغالات في شكل مقترحات عملية تُعرض على المنتخبين، في أفق إدماجها ضمن برامج العمل المحلية أو فتح نقاش جدي حولها.
وفي سياق يتسم أحيانًا بعزوف فئات واسعة من الشباب عن العمل السياسي والمؤسساتي، تأتي “جا الوقت” كمحاولة ذكية لإعادة الثقة المفقودة، عبر خطاب واقعي بعيد عن المزايدات، وأسلوب عمل ميداني يراهن على الفعل بدل الاكتفاء بالتنظير. فالمبادرة لا تدّعي امتلاك حلول سحرية، لكنها تؤمن بأن التغيير يبدأ بخطوة، وبأن إشراك الشباب في النقاش العمومي هو المدخل الحقيقي لبناء سياسات أكثر نجاعة وعدالة.
كما تسعى المبادرة إلى تكريس ثقافة المواطنة الفاعلة، من خلال تحفيز الشباب على تتبع الشأن المحلي، وفهم آليات اتخاذ القرار، والتفاعل الإيجابي مع المؤسسات، بدل الاكتفاء بموقع المتفرج أو الناقد من بعيد. وهو ما يجعل “جا الوقت” مدرسة ميدانية في الديمقراطية التشاركية، بقدر ما هي مبادرة مطلبية.
رسالة “جا الوقت” واضحة: المستقبل لا يُنتظر بل يُصنع، والشباب المغربي يملك من الوعي والكفاءة والجرأة ما يؤهله ليكون شريكًا حقيقيًا في رسم ملامح الغد. وبين جولات ميدانية، ولقاءات مباشرة، وأفكار متدفقة من عمق الواقع المحلي، تواصل المبادرة شق طريقها، حاملة شعارًا بسيطًا في لفظه، عميقًا في دلالته: لقد حان الوقت.
