أجمع المتدخلون من فعاليات أكاديمية وسياسية وحقوقية، مساء السبت بالرباط على أن ورش اصلاح مدونة الأسرة سيكون بمثابة نقلة نوعية في مسار تماسك الأسرة وإنقاذها من التفكك خاصة في ظل التغيرات الاجتماعية.
وسجل المشاركون في المائدة، المستديرة، التي نظمتها منظمة النساء الحركيات حول موضوع «الأسرة المغربية بين القيم الدينية والأعراف الاجتماعية والتحولات المجتمعية: أي توازن في سياق الحداثة والعولمة؟» أن مخرجات مراجعة مدونة الأسرة عكس ما يروج لها، ضمت تعديلات منصفة ومهمة في صالح الأسرة، التي تشكل نواة المجتمع وروح جميع الإصلاحات.
الكور:هناك “جائحة أسرية” تتطلب العلاج
وبالمناسبة، خديجة الكور رئيسة منظمة النساء الحركيات، التي اعتبرت الاحتفال بمناسبة الثامن مارس، فرصة لتقييم ما تحقق من إنجازات والوقوف على المتطلبات والتحديات، مؤكدة على أهمية الأسرة وحاجتها إلى التجديد بما يضمن قيم التضامن والتازر والتكافل، مشيرة إلى أن اختيار موضوع النقاش ينبع من قناعة منظمة النساء الحركيات بأن النقاش الدائر حول مدونة الاسرة لا يجب أن ينحصر فقط في الحديث عن مقتضيات القانون ومساطر أعماله بل يجب أن يمتد الى تبادل وجهات النظر حول القيم المؤسسة للأسرة المغربية في ظل التحولات الاجتماعية.
وتابعت قائلة:” صحيح شكلت مدونة الأسرة قفزة حقيقية، لكنها الآن لم تعد كافية في حد ذاتها بعد أن أبرزت التجربة بعض الثغرات التي تحول دون اكتمال الإصلاح وتحقيق الأهداف المرجوة منه، بالتالي فإن النقاشات الدائرة بين مختلف الأطراف والفاعلين تعتبر فرصة ثمينة لإثراء التصورات وإغناء الرؤى، بهدف الوصول إلى صياغة مدونة أسرة متوازنة وعادلة، تأخذ بعين الاعتبار حقوق جميع مكونات المجتمع، سواء كانوا نساء أو رجالا أو أطفالا”، حسب الكور.
وبالموازاة، أكدت رئيسة منظمة النساء الحركيات أنه رغم ما تحقق على مستوى التشريع إلا أن الواقع يكشف أن هناك “جائحة أسرية” تتطلب علاجها.
وفي هذا الصدد، أوردت الكور بعض الارقام المخيفة الخاصة بارتفاع حالات الطلاق وانخفاض مؤشر الخصوبة وارتفاع معدل العزوبة وتراجع سلطة الاب وتغيرات سلوكية داخل الاسرة وغيرها، مما يستدعي ترميم منظومة القيم الأسرية.
العنصر مدونة الأسرة بهاجس إضفاء الطابع الأسري على مضامينها ومقاصدها
من جهته، محند العنصر رئيس حزب الحركة الشعبية، الذي ارتأى أن يستهل مداخلته بتهنئة النساء الحركيات والمغربيات وكل نساء العالم بمناسبة عيدهن الأممي، مشيدا باختيار موضوع النقاش، قائلا:” صحيح نتحدث عن حقوق النساء لكن قليلا ما نتحدث عن حقوق الأسرة رغم أن هذه الأخيرة هي نواة المجتمع”.
العنصر، الذي سجل أن حزب الحركة الشعبية أولى أهمية كبيرة لمقاربة التدرج في الإصلاحات الأسرية لتحقيق حلول توافقية تضمن استقرار الأسرة وحماية حقوق المرأة والطفل، أكد أنه تم اصدار مدونة الأسرة الجديدة بهاجس إضفاء الطابع الأسري على مضامينها ومقاصدها
وقال العنصر إن مقاربة الحزب لا تروم الاصطفاف الأيديولوجي الرجعي ولا الانفتاح الاباحي وانما تندرج وفق تصور حركي نابع من تربة مغربية أصيلة وبمرجعية نابعة من القيم المغربية الاصيلة التي تؤطرها مقاصد الشريعة الاسلامية مع استحضار التزامات المغرب بمقتضيات المواثيق والعهود الدولية المنسجمة مع دستور المملكة.
وشدد العنصر على ضرورة الإهتمام بالأسرة لأنها هي الملجأ والمكان الآمن للأسرة، مسجلا أن الجدل القائم حول مدونة الأسرة هو صحي وضروري، لكونه يعكس حيوية المجتمع وحرصه على تطوير منظومته القانونية بما يتماشى مع التحولات الاجتماعية والاقتصادية والثقافية.
يشار إلى أن المائدة المستديرة، التي نظمتها منظمة النساء الحركيات، بمناسبة الاحتفال باليوم العالمي للمرأة، الذي ينعقد هذه السنة تحت شعار «الحقوق والمساواة والتمكين لكافة النساء والفتيات»، وأدار أشغالها زهير أصدور، شكلت فرصة لفتح نقاش حول الإصلاحات القانونية المتعلقة بمدونة الأسرة، وكيفية تحقيق توازن بين القيم الدينية والتقاليد الاجتماعية ومتطلبات العصر، أطرتها فعاليات أكاديمية وسياسية وحقوقية؛ حيث عرفت مداخلات من قبل« قراءات في تعديلات مدونة الأسرة من منظور الشريعة الاسلامية» التي تناولها الدكتور عبد النبي العيدودي (أستاذ باحث في العلوم الدينية والسياسية)، ومحور«الأسرة في مواجهة التحديات الراهنة وتطبيق المواثيق الدولية» لفاطمة الزهراء عتاق (أستادة باحثة في علوم الاتصال السياسي وتخليل الخطاب الاجتماعية)، ثم محور«التطوير البنيوي والوظيفي للأسرة المغربية بين سؤال المرجعيات وافق الاصلاح» لعدي السباعي (باحث في العلوم الاجتماعية)، و«الأسرة المغربية بين التجاذبات الحداثية والمحافظة» التي طرحها الدكتور مولاي الحسي الراجي (أستاذ باحث في العلوم القانونية ومحامي وفاعل جمعوي) ومحور« من أجل أسرة متوازنة، مستقرة ورافعة للمواطنة والتنمية» لأحمد عصيد (أستاذ باحث في القضايا الديموقراطية وحقوق الانسان).
وفي هذا السياق ، أورد المتدخلون، ملامح التعديلات المقترحة، والتي تتركز أساسا في وجوب «استئذان الزوجة عند عزم زوجها الاقتران بأخرى، وعدم إسقاط حضانة الأم المطلقة لأطفالها عند الزواج مرة ثانية، والإقرار بأن أداء الزوجة الأعمال المنزلية هو عمل غير مدفوع الأجر يعد إسهاماً في تكوين الثروة المكتسبة أثناء فترة الزواج».
كما أثاروا إشكالية المادة 400 من مدونة الأسرة، والتي تشير إلى ضرورة الرجوع إلى اجتهادات المذهب المالكي في حالة عدم وجود نص قانوني يؤطر قضية ما، والذي يراعى فيه تحقيق قيم الإسلام في العدل والمساواة والمعاشرة بالمعروف.
وخلص المشاركون إلى أن قضية إصلاح مدونة الأسرة مهمة، وأن الإصلاح يجب أن يخضع لمبدأ التراكم والتدرج بما ينسجم مع طبيعة “تمغربيت”.