إن المبادئ الأساسية التي تأسست عليها الحركة الشعبية في ظل السياقات السياسية المتقلبة في المغرب الحديث، لم تكن لتكون قادرة على الصمود والاستمرار بنفس القوة والصلابة إلى غاية اليوم، لو لم يكن لهذا الحزب رجال من طينة محند العنصر، رجال تميزوا بوفائهم لوطنهم وانخراطهم في قضاياه وتشبعهم بقيمه المثلى والنبيلة التي تتبدل ولم تتغير بتغير المواقع والمنافع أبدا، فمحند العنصر هو ذلك السياسي المخضرم الذي رافقته الحكمة السياسية والحنكة الحزبية طيلة مساره، و استطاع أن يُذَوِّبَ كل ما يمكن أن يختلف فيه مع الخصوم، وما يدافع عنه باستماتة الوطني الغيور، والمواقف التي لا تتجزأ عن وعاء هدوئه المعهود، ودَفْعِ التدافع السياسي نحو منطقة الحوار والتوافقات الإيجابية التي اعتبرها على الدوام أسمى وأرقى أوجه الديمقراطية والتي تخدم مصلحة الوطن والمواطن في نهاية المطاف.
لقد تأسس الفكر السياسي لمحند العنصر على عقائد متينة لا تتزحزح ولا تخضع لمنطق الشروط وتقلبات الظروف، من الإخلاص لمقدسات المملكة المغربية وهويتها وقيم تمغربيت، إلى القضايا السياسية التي حملها على عاتقه كإنسان، أو كمناضل سياسي داخل حزب الحركة الشعبية، وفي مقدمتها، سعيه الدائم إلى جعل الأمازيغية في المكانة التي تستحقها، والدفاع عن العالم القروي والجبلي والعمل على تنميتهما.
محند العنصر شخصية سياسية بارزة في المشهد السياسي المغربي، رجل دولة بامتياز، ويشهد له بذلك الخصوم قبل أبناء الخيمة، يعتبر من أبرز وأنذر السياسيين الذين راكموا تجربة سياسية طويلة، تمتد إلى قرابة نصف قرن من الزمن فقد ولد الرجل بلسان أمازيغي وبدون ملعقة ذهبية ولا فضية في فمه أواخر فصل الربيع من سنة 1942 بدوار محاط بالجبال يسمى إسبوتن بجماعة أيت بازة، وقطن بعد ذلك مدينة إيموزار مرموشة، إقليم بولمان، تابع دراسته الإبتدائية بمسقط رأسه، ثم الثانوية بمدينة صفرو، وانتقل إلى الرباط فيما بعد ليستكمل دراسته في مدرسة البريد والمواصلات السلكية واللاسلكية ، وحصل في المدرسة الوطنية للإدارة العمومية بالعاصمة على دبلوم السلك العالي.
بدأ العنصر مساره المهني عام 1958 موظفا بوزارة البريد والمواصلات السلكية واللاسلكية، فرئيس مصلحة فيها، ثم مديرا جهويا في مدينة أكادير، وارتقى في مساره الوظيفي حيث أصبح لاحقا مسؤولا عن قسم الميزانية والمالية والصفقات والشؤون العامة، ثم مديرا للمصالح البريدية، وكاتبا عاما لوزارة البريد والمواصلات السلكية واللاسلكية..
انخرط محند العنصر في صفوف حزب الحركة الشعبية سنة 1975، وظل عضوا نشيطا في الشبيبة الشعبية، واللجنة المركزية للحزب، إلى أن تم انتخابه أمينا عاما للحزب سنة 1986، خلفا للمرحوم المحجوبي أحرضان، وظل في قيادة حزب السنبلة إلى غاية مؤتمر 2022 بإجماع الحركيات والحركيين طيلة هذه المدة.
تولى العنصر منصب وزير البريد والمواصلات بين سنة 1981و سنة 1992، ثم وزير الفلاحة والتنمية القروية بين 2002-2004، وخلال الفترة الممتدة بين 2004-2007 تولى منصب وزارة الفلاحة والتنمية القروية والصيد البحري، ليصبح في عام 2009 وزيرا للدولة، وفي يناير 2012 عُيِّن وزيرا للداخلية وبعدها وزيرا للتعمير وإعداد التراب الوطني، ووزيرا لقطاع الشباب والرياضة، ثم انتخب خلال شتنبر2015 على رأس مجلس جهة فاس مكناس ، كما ترأس جماعة ايت بازة، وبلدية ايموزار مرموشة التي كان له الفضل في إحداثها، فضلا عن رئاسته لجهة فاس بولمان خلال التقسيم الترابي القديم..
انتخب محند العنصر نائبا برلمانيا عن إقليم بولمان منذ عام 1993 إلى غاية 2016 ، باستثناء الولايات التي تقلد فيها مناصب وزارية باسم حزب الحركة الشعبية.
وإلى الآن ما زال محند عميد السياسيين المغاربة، لم تتغير حنكته السياسية بعد كل هذا المسار الطويل من النضال السياسي، ولا يزال أحد الفاعلين المؤثرين في المشهد السياسي المغربي، وبنفس العزيمة والرزانة يعمل من أجل إيصال صوت العالم القروي والمناطق الجبلية ، والقضية الأمازيغية إلى مراكز القرار، فإذا كانت الجندية حلم طفولة محند العنصر، فصدى هذا الحلم وغاياته ترجمها ولا يزال من داخل المؤسسات، من أجل مغرب ضامن للحقوق، و دولة قوية ، ووطن ينعم بالأمن والاستقرار ، من خلال منصب رئيس حزب الحركة الشعبية الذي ولاه إياه المؤتمر الوطني الرابع عشر للحزب المنعقد بالرباط يومي25و 26 نونبر 2022.
السيد محند العنصر ذاكرة سياسية وطنية مهمة، عاصر العديد من الأحداث، وجايل العديد من الشخصيات التي طبعت تاريخ المغرب منذ الاستقلال، ولا زال هذا المعين نضرا حيا دائم العطاء والوفاء لوطنه ولهيئته السياسية.