الأخبارمقالات صحفية

الحكم الذاتي بالصحراء والجهوية المتقدمة.. مبادرتان محمودتان تجسدان الحكامة الترابية الجيدة للمملكة

تجسيدا لاختياراته الديمقراطية التي لا رجعة فيها، من أجل بناء مجتمع حداثي، يرتكز على مقومات دولة القانون، والحريات الفردية والجماعية، والتنمية الاقتصادية والاجتماعية، انخرط المغرب في ورشي الحكم الذاتي بالصحراء، والجهوية المتقدمة، كجواب يترجم الإرادة السياسية القوية للمملكة لإيجاد حل للنزاع المفتعل حول الصحراء المغربية، والتطلع نحو مغرب العدالة الاجتماعية.

وتفعيلا لهذه الإرادة السياسية، وإيمانا منه بالدور الحاسم الذي يتيحه الأمن والاستقرار في ازدهار الوطن، والآفاق الواعدة التي يفتحها للمنطقة برمتها، قدم المغرب سنة 2007 بكل جرأة وشجاعة مبادرة الحكم الذاتي للأقاليم الجنوبية في إطار سيادة المملكة ووحدتها الترابية.

هذه المبادرة جاءت تلبية لنداء مجلس الأمن الذي ما فتئ منذ 2004، “يدعو الأطراف ودول المنطقة إلى مواصلة تعاونها التام مع الأمم المتحدة، لوضع حد للمأزق الراهن، ولإحراز تقدم نحو إيجاد حل سياسي”، وشكلت تعبيرا من طرف المملكة عن استعدادها للانخراط، بكل عزم، في مفاوضات جدية ومعمقة مع الأطراف الأخرى، وذلك من أجل المساهمة الفعلية في إيجاد حل سياسي ونهائي، مقبول من طرف الجميع.

كما تعد تعبيرا حرا وديمقراطيا عصريا بشأن نظام الحكم الذاتي، وهي بذلك مبادرة مطابقة للشرعية الدولية، مستوعبة للقواعد والمعايير العالمية المعمول بها في مجال الحكم الذاتي، فضلا عن كونها تكفل احترام حقوق الإنسان وتعزيزها، مع الدعوة لاغتنام إمكانية السلم للخروج من الطريق المسدود.

وقد تبلورت حول مبادرة الحكم الذاتي قناعة دولية تؤكد وجاهتها ومصداقيتها، وتجسد ذلك في مختلف القرارات الأممية منذ أن طرحها المغرب أمام المجتمع الدولي سنة 2007.

وفي هذا الصدد، أكد الأستاذ الجامعي عبد الفتاح الفاتحي، مدير مركز الصحراء وإفريقيا للدراسات الاستراتيجية، أنه على المستوى الجيوسياسي “يمكن التأكيد أن المجتمع الدولي يؤمن بفشل إقامة دويلة هشة جنوب المغرب، بل إن المغامرة في ذلك تعني تلغيم المنطقة باللاأمن واللااستقرار. ولعل واقع منطقة الساحل والصحراء يكشف المأزق الذي تعيشه القوى الكبرى مع تحدي الجماعات المتطرفة في المنطقة”.

هذه القناعة، يقول الفاتحي، تعززت بتزايد التأييد الدولي لوجاهة مقترح الحكم الذاتي، وتقوت بعد الاعتراف الأمريكي بسيادة المغرب على صحرائه، وتجديد إدارة جو بايدن لهذا الاعتراف، الأمر الذي أنهى ما تبقى من آمال دعاة الانفصال.

ولعل ما عزز من واقعية المبادرة المغربية، حسب الفاتحي، هو دسترة الجهوية المتقدمة وصدور القرارات التنظيمية المتعلقة بها.

وقد جاء دستور 2011 ليؤسس لهذا التصور، ويضع القواعد الدستورية التي تؤطر الجهوية المتقدمة، فبالإضافة إلى ما نص عليه الفصل الأول من اعتبار التنظيم الترابي للمملكة “تنظيم لا مركزي يقوم على الجهوية المتقدمة”، نص الفصل 136 على أن “التنظيم الجهوي والترابي للمملكة يرتكز على مبادئ التدبير الحر، وعلى التعاون والتضامن، ويؤمن مشاركة السكان المعنيين في تدبير شؤونهم، والرفع من مساهمتهم في التنمية البشرية المندمجة والمستدامة”.

إرادة إرساء نظام جهوي متقدم بالمغرب، توجتها لحظة دستور 2011، وأسست لها رؤية ملكية تجسدت في العديد من خطب جلالة الملك، من قبيل الخطاب الملكي بمناسبة الذكرى 33 للمسيرة الخضراء في 6 نونبر 2006 وخطاب تنصيب اللجنة الاستشارية الجهوية في 3 يناير 2010 وخطاب 9 مارس 2011 للإعلان عن التعديلات الدستورية.

بانخراطها في هذه الإصلاحات السياسية والمؤسساتية، والتوجه بكل جدية ومصداقية نحو تسوية نزاع مفتعل وفقا للشرعية الدولية، تكون المملكة قد قطعت أشواطا مهمة في بناء مجتمع الديمقراطية والعدالة الاجتماعية، وتوفير الشروط الذاتية والموضوعية من أجل خارطة جيوسياسية بمنطق رابح رابح لكل دول المنطقة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى