مواقف لا تخضع للتصريف الظرفي
محمد مشهوري
في الوقت الذي تخبطت فيه العديد من المواقف في دوامة التناقض وغرقت في يم الانفصام وتغيير الاتجاه حسب الأمواج، كان للأخ محند العنصر،أمين عام الحركة الشعبية،الشجاعة السياسية والأدبية لقبول الظهور إعلاميا في برنامج”60 دقيقة للإقناع” على قناة ميدي 1 تي في، وهي الشجاعة التي انعدمت عند هواة تقليد النعامة في دفنها لرأسها في الرمال حتى تهدأ العاصفة كما عند غيرهم من الذين يسايرون أهواء القابعين وراء الحواسيب والهواتف الذكية “مستمعين” بأجواء التوتر.
كان بإمكان الأخ العنصر هو أيضا الركوب على الموجة واعتماد خطاب مغرق في الشعبوية وليذهب القانون إلى الجحيم، لكنه فضل كعادته خطاب العقل ولغة القانون واحترام البناء المؤسساتي، كقناعات مبدئية بالنسبة لمن يؤمن بدولة الحق والقانون ويرفض العبث و ازدواجية المواقف.
كان بوسع أمين عام الحركة الشعبية الاكتفاء بمحدودية الرؤية على أقصر مدى والتعامل مع حل”إشكال الحسيمة” بمنطق ضيق واعتباره سدرة المنتهى مادامت كل المؤشرات تؤكد قرب تخفيف التوتر، لكنه اختار بعد النظر و الحرص على ألا يكون التعبير مستقبلا عن مطالب اقتصادية واجتماعية في الريف أو غير الريف على حساب القوانين المنظمة للمجتمع.
ولأن المناسبة شرط كما يقال، كان البرنامج التلفزيوني فرصة للتأكيد على المواقف التي عبر عنها الحزب، والتي لم تحمل أي اتهام لمواطنينا في الحسيمة ب”النزوع إلى الانفصال”أو “خدمة أجندة خارجية”، بل كانت مواقف تؤيد المطالب المشروعة الساكنة ولكن في إطار احترام القانون والحرص على الاستقرار، وترفض التطاول على أماكن العبادة والاعتداء على القوات العمومية. كما رفع الأخ العنصر اللبس وفند المغالطات بخصوص تصريح الأخ السعيد امسكان الذي لم يتضمن أي إساءة إلى ساكنة الحسيمة أو إلى وطنيتهم.
لقد أعطى الأخ العنصر مرة أخرى البرهان على أن صوت الحق والعقل والحكمة يعلو دائما على خطابات التماهي مع التيار و دعوات التجييش بحثا عن بطولات وهمية بلا مجد، مؤكدا أن حسابات الوطن أسمى من كل الحسابات، و هو المنهاج الذي ارتضته الحركة الشعبية على امتداد تاريخها ولو كلفها ضياع أصوات انتخابية هنا وهناك، فمواقفها واضحة ولا تلعب على الحبلين ولا تخضع للتصريف الظرفي، لأن المغرب الدولة/الأمة أقوى و أغلى من كل الظروف.