ما هكذا يصنع المستقبل
محمد مشهوري:
أول ما ظهرت السياسة عند الإغريق القدامى، ارتبطت بقيمة النبل وبالسعي إلى بناء “المدينة الفاضلة” على ركائز ولبنات الأفكار الخلاقة. وحتى إلى وقت قريب كان ولوج غمار السياسة خاصية تميز الناس الذين يمتلكون أكثر من غيرهم القدرة على العطاء لصالح المجتمع والقابلية للإسهام بدور طلائعي في الارتقاء بالأوطان.
لقد كان الساسة أيضا في الواجهة الأولى للكفاح من أجل الحرية والانعتاق من سطوة الاستعمار، وفي طليعة كوكبة بناة الدول الحديثة العهد بالاستقلال، لكن وقعت ثمة أشياء وتحولات أفرغت السياسة من فحواها النبيل، وقدمتها لعامة الناس في طبق الرداءة والخبث والدسيسة والانتهازية.
في المغرب، كنا نأمل أن يتم الاستثمار الأمثل لما تحقق من أشواط على درب الديمقراطية كان آخرها دستور فاتح يوليوز 2011، وأن نفتح ورشا كبيرا لتدافع الأفكار والبرامج في إطار مسعى وحيد يجمع الكل: خدمة المغرب، لكن تجري رياح الرداءة بما لا تشتهي سفن العطاء الصادق.
الإعلام الذي كان الجميع يراهن عليه في تحصين السياسة من السقوط في منزلقات ومطبات بؤس الخطاب وانحدار الممارسة، تحول جزء منه، بفعل الدخلاء، إلى مرتع لتصفية الحسابات ونهش الأعراض تحت الطلب، وعوض أن يواكب إنتاج الأفكار، ساهم في إنتاج “الفضائح” ما صدق منها وما فبرك، وهو ما يعطي صورة سيئة عن المشهد السياسي.
إن صنع المستقبل، ونحن على مشارف استحقاق انتخابي حاسم، يتطلب العودة إلى النهل من ينبوع الصدق والنزاهة، وجعل مصلحة الوطن فوق كل اعتبار، لأن الأشخاص والمكاسب مهما أرضت الأنا إلى زوال، والبقاء وحده للأوطان إلى أن تقوم الساعة.