الملك والشعب… الثورة متواصلة
في العشرين من غشت 1953، قامت سلطات الحماية الفرنسية بنفي الملك المجاهد محمد الخامس بمعية أسرته الكريمة إلى المنفي السحيق، بعد أن رفض المساومة على إرادة شعبه في التحرر من نير الاستعمار،موثرا الزهد في كرسي العرش على الانصياع لرغبة مستعمر في ملكية صورية بعيدة عن نبض الأمة.
هذا الشجاعة النادرة لملك وطني قابلها المغاربة، في المدن والقرى والسفوح والجبال، بوفاء غير مشهود، حيث اشتدت حدة المقاومة الشعبية، في تصميم قوي على انتزاع الحرية، ورفض لكل المساومات والبدائل المغشوشة المغلفة بالدسيسة، إذ ربط المغاربة، في موقف غير مسبوق، الاستقلال بعودة الملك الشرعي إلى عرشه معززا مكرما.
ثورة الجهاد الأصغر المشترك بين العرش والشعب، كانت انطلاقة لثورة جديدة من أجل بناء الدولة المغربية المستقلة الحديثة على أسس الحرية والديمقراطية و الثوابت الوطنية والقيم الروحية المتأصلة والمترسخة في العمق الهوياتي المغربي على امتداد حقب التاريخ.
لم تخمد جذوة الثورة بعد أن انتقل الملك المحرر إلى جوار ربه راضيا مرضيا، بل استمرت على يد الملك الباني والموحد جلالة المغفور له الحسن الثاني، حيث تمكن طيب الله ثراه بحكم عبقريته من إرساء مقومات البناء الديمقراطي وتمكين المغرب من بنيات الصرح التنموي ومستلزمات الاستقرار، واستكمال وحدة التراب باسترجاع الأقاليم الجنوبية التي كانت ترزح تحت الاستعمار الإسباني بفضل المسيرة الخضراء.
ومنذ 1999، تتواصل هذه الثورة الإيجابية بعد أن آلت أمانة قيادة البلاد إلى جلالة الملك محمد السادس، ثورة تجسدت في الدعوة إلى ترسيخ مجموعة من المفاهيم الكفيلة بتدعيم قيم الحرية والعدالة والمساواة و حقوق الإنسان في أبعادها الكونية.
وهكذا، وبالإضافة إلى ما تحقق من منجزات اقتصادية واجتماعية ومشاريع مهيكلة كبرى أهلت المغرب ليصبح وجهة مثلى للتبادل والإنتاج والاستثمار، كانت النهوض بالعنصر البشري في عمق الاهتمام الملكي من خلال المبادرة الوطنية للتنمية البشرية.
وفي خضم التحولات المتسارعة التي تعرفها المجتمعات العربية خاصة و باقي بلدان المعمور كافة، كان خطاب 9 مارس التاريخي خطابا مؤسسا لثورة متجددة في مجال الديمقراطية والتجاوب مع تطلعات الأجيال الجديدة من خلال المصادقة الشعبية الواسعة على الدستور الجديد، وهو ما أهل المغرب ليكون نموذجا مثاليا يقتدى به في مجال التدبير الحضاري للتحولات المجتمعية.
وإذ يخلد الشعب المغربي الذكرى 58 لثورة الملك والشعب المجيدة، فإنه عازم على مواصلة الثورة وراء ملكه المواطن للقضاء على كل أشكال التخلف و التهميش وكل ما ينتقص من قيمة وكرامة الإنسان.
محمد مشهوري