الأخبار

تحليل سياسيهل ظل المغرب في منآى عن الأحداث التي عرفتها عدد من الدول العربية ؟

أظن أنه إذا قارنا المغرب بما يجري في بعض دول المنطقة، نجد أن المغرب كانت له الجرأة منذ عشرة سنوات للقيام بإصلاحات جذرية مست الجانب الاقتصادي، من حيث تطوير الاقتصاد المغربي وتحديثه مما أدى إلى خلق مناصب شغل محترمة، وكذا الجانب الاجتماعي من خلال محاربة الفقر ووضع سياسات مندمجة لتشجيع التشغيل.
وعلى المستوى السياسي تعزز هامش الحريات السياسية، وكانت هناك حرية نسبية للصحافة بالرغم من التعثرات التي عرفتها مؤخرا. وفيما يتعلق بحقوق الإنسان قامت هيئة الإنصاف والمصالحة بالرجوع إلى ماضي الخروقات الجسيمة لحقوق الإنسان وتم جبر الضرر الجماعي والفردي، وقامت الدولة بنوع من الاعتذار الضمني، رغم أن بعض المقتضيات لم تطبق لحد الآن، بالنسبة للحكامة الأمنية والإفلات من العقاب. كما تم إشراك الإسلاميبن في العمل السياسي المنظم في إطار الشرعية وتم وضع مدونة للأسرة وحقوق المرأة.
كل هذا خلق تحالفا عريضا وراء هذه الإصلاحات يساند كل المبادرات الملكية في هذا الإطار. على العموم المغرب قطع أشواطا من حيث دعم الحريات وهو الآن أفضل من دول عربية أخرى بفضل التوجهات الملكية التي ما فتئت تدعو إلى تكريس قيم الحرية والتعددية. من هذا الجانب كان المغرب متقدما، فالكثير من المطالب التي ترفع اليوم مثلا في سوريا واليمن ومصر وتونس والأردن، كان المغرب سباقا إلى تلبيتها.
ولكن مع ذلك أعتقد أن المغرب ليس محصنا مائة بالمائة، نظرا لوجود نوع من الإحباط على مستوى الشارع. لكن هذا الإحباط ليس ضد هرم السلطة ولكن ضد الإدارة أو الحكومة. في بلدان أخرى يتم الربط بين المشاكل السياسية والحقوقية والاجتماعية والنظام.أما المغرب فلا يوجد فيه مثل هذا الربط بين المشاكل التي ما زالت عالقة والنظام السياسي. لكن يتم ربطها بعمل الحكومة، والنقمة كبيرة جدا في المغرب على الحكومة الحالية التي لا ينظر لها المواطن بعين الرضا، ولا إلى سياستها التي لا تتجاوب مع انتظاراته، خصوصا في ميدان الصحة والتعليم وإصلاح القضاء والسكن والأمن..
إذن لكي يتحصن المغرب أكثر عليه أن يقوم الآن بإصلاحات أكثر جرأة في أربعة أو خمسة نقاط أساسية:
النقطة الأولى تتمثل في محاربة الرشوة وإقامة تحالف عريض ما بين الحكومة والقطاع الخاص والمجتمع المدني والصحافة من أجل محاربة الرشوة بشكل صارم وبإرادة سياسية أكبر بكثير مما نفعله الآن.
النقطة الثانية تكمن في محاربة الريع الاقتصادي الموجود في كثير من المسائل التي تتعلق بقطاعات معينة وباستغلال المقالع وغيرها. يجب أم نتجاوز إشكالية الريع الاقتصادي ونحاربها بشكل عميق جدا.
المسألة الثالثة، يجب أن يكون هناك وضوح كبير جدا في ما يتعلق بالانتقال إلى حرية أوسع للصحافة، وتجاوز ما وقع للصحافة مؤخرا عبر وسائل ذكية ولكن مفضوحة. يجب أن نتجاوز هذه الوضعية.
المسألة الرابعة يجب أن يكون لنا اهتمام كبير جدا بإشكالية حقوق الإنسان، لأنه إذا كان هناك اعتراف بحقوق الإنسان على المستوى الدولي يجب أن يكون التطبيق على مستوى الواقع، بالنظر إلى وجود تعثرات في هذا المجال وضرورة تطبيق كل المقتضيات الصادرة عن تقرير هيئة الإنصاف والمصالحة خصوصا مسألة الإفلات من العقاب الحكامة الأمنية.
المسألة الخامسة والأخيرة هي وجوب إقامة نظام للمحاسبة بالنظر إلى وجود كثير من الناس الذين يتحملون مسؤوليات لا تتم محاسبتهم على ما يفعلون. لذا يجب أن نمر إلى هذا النظام.
هكذا يمكن أن نقنع المواطن أن هناك دولة قانون وهناك حكومة فاعلة وهناك قدر كبير من الشفافية، وهذه مسألة مهمة.
هناك أشياء تمس المواطنين في ذواتهم تتعلق مثلا بإشكالية التعليم نظرا لانعدام الجودة في التعليم، وإشكالية الصحة التي تعيش أزمة كبيرة ، خصوصا أن هناك تراجعات في هذا المجال. ويجب أن يكون تعامل مع إشكالية السكن، لأن كثير من المواطنين يعانون إحباطا كبيرا في ما يتعلق بهذا المجال. علينا أن نأخذ مسألة الأمن بجدية نظرا لحالة الفلتان الأمني التي تعرفها بعض أحيائنا.

الدكتور لحسن حداد(*)

(*) خبير في الدراسات الإستراتيجية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى